الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
/ فأجاب: الحمد للَّه، هذه المسائل مبنية على أصلين: أحدهما: السرقين النجس ونحوه في الوقود ليسخن الماء أو الطعام ونحو ذلك. فقال بعض الفقهاء من أصحاب أحمد وغيره: إن ذلك لا يجوز؛ لأنه يتضمن ملابسة النجاسة ومباشرتها. وقال بعضهم إن ذلك مكروه غير محرم؛ لأن إتلاف النجاسة لا يحرم، وإنما ذلك مظنة التلوث بها. ومما يشبه ذلك الاستصباح بالدهن النجس، فإنه استعمال له بالإتلاف. والمشهور عن أحمد وغيره من العلماء أن ذلك يجوز، وهو المأثور عن الصحاية، والقول الآخر عنه وعن غيره المنع؛ لأنه مظنة التلوث به، ولكراهة دخان النجاسة. والصحيح أنه لا يحرم شيء من ذلك. فإن الله ـ تعالى ـ حرم الخبائث من الدم والميتة ولحم الخنزير وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم/أنه قال: (إنما حرم من الميتة أكلها). ثم أنه حرم لبسها قبل الدباغ. وهذا وجه قوله في حديث عبد الله بن عكيم: (كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) فإن الرخصة المتقدمة كانت في الانتفاع بالجلود بلا دباغ كما ذهب إليه طائفة من السلف، فرفع النهى عما أرخص، فأما الانتفاع بها بعد الدباغ فلم ينه عنه قط؛ ولهذا كان آخر الروايتين عن أحمد: أن الدباغ مطهر لجلود الميتة، لكن هل يقوم مقام الذكاة أو مقام الحياة، فيطهر جلد المأكول أو جلد ما كان طاهراً في الحياة دون ما سوي ذلك؟ على وجهين: أصحهما الأول. فيطهر بالدباغ ما تطهره الذكاة لنهيه صلى الله عليه وسلم في حديث عن جلود السباع. وأيضاً، فإن استعمال الخمر في إطفاء الحريق ونحو ذلك سلمه المنازعون مع أن الأمر بمجانبة الخمر أعظم، فإذا جاز إتلاف الخمر بما فيه منفعة، فإتلاف النجاسات بما ليس فيه منفعة أولي. ولأنهم سلموا جواز طعام الميتة للبزاة والصقور فاستعمالها في النار أولى. وأما قول القائل: هذا مظنة ملابستها، فيقال: ملابسة النجاسة للحاجة جائز، إذا طهر بدنه وثيابه عند الصلاة ونحوها. كما يجوز الاستنجاء بالماء مع مباشرة النجاسة، ولا يكره ذلك على أصح الروايتين عن أحمد، وهو قول أكثر الفقهاء. والرواية الثانية: يكره ذلك، /بل يستعمل الحجر، أو يجمع بينهما. والمشهور أن الاقتصار على الماء أفضل، وإن كان فيه مباشرتها. وفي استعمال جلود الميتة إذا لم يقل بطهارتها في اليابسات روايتان: أصحهما جواز ذلك. وإن قيل إنه يكره، فالكراهة تزول بالحاجة. وأما قوله: هذا يفضي إلى التلوث بدخــان النجاســة، فهذا مبني على الأصل الثاني، وهو أن النجاسة في الملاحـــة إذا صارت ملحاً ونحو ذلك، فهل هي نجسة أم لا؟ على قولين مشهورين للعلماء هما روايتان عن أحمد، نص عليهما في الخنزيــر المشوي في التنور، هل تطهر النار ما لصق به أم يحتاج إلى غسل ما أصابه منه؟ على روايتين منصوصتين: أحدهما: هي نجسة وهذا مذهب الشافعي، وأكثر أصحاب أحمد، وأحد قولي أصحاب مالك. وهؤلاء يقولون: لا يطهر من النجاسة بالاستحالة إلا الخمرة المنتقلة بنفسها، والجلد المدبوغ إذا قيل أن الدبغ إحالة لا إزالة. والقول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد قولي المالكية وغيرهم، أنها لا تبقي نجسة. وهذا هو الصواب، فإن هذه الأعيان لم يتناولها نص التحريم لا لفظاً ولا معني، وليست في معني النصوص،/ بل هي أعيان طيبة فيتناولها نص التحليل، وهي أولي بذلك من الخمر المنقلبة بنفسها، وما ذكروه من الفرق بأن الخمر نجست بالاستحالة فتطهر بالاستحالة باطل، فإن جميع النجاسات إنما نجست بالاستحالة كالدم فإنه مستحيل عن الغذاء الطاهر، وكذلك البول والعذرة، حتي الحيوان النجس مستحيل عن الماء والتراب ونحوهما من الطاهرات. ولا ينبغي أن يعبر عن ذلك بأن النجاسة طهرت بالاستحالة، فإن نفس النجس لم يطهر لكن استحال، وهذا الطاهر ليس هو ذلك النجس، وإن كان مستحيلا منه، والمادة واحدة، كما أن الماء ليس هو الزرع والهواء والحب وتراب المقبرة ليس هو الميت، والإنسان ليس هو المني. والله ـ تعالى ـ يخلق أجسام العالم بعضها من بعض، ويحيل بعضها إلى بعض، وهي تبدل مع الحقائق، ليس هذا هذا. فكيف يكون الرماد هو العظم الميت، واللحم والدم نفسه. بمعني أنه يتناوله اسم العظم؟ وأما كونه هو هو باعتبار الأصل والمادة، فهذا لا يضر، فإن التحريم يتبع الاسم والمعني الذي هو الخبث، وكلاهما منتف. وعلى هذا، فدخان النار الموقدة بالنجاسة طاهر، وبخار الماء النجس الذي يجتمع في السقف طاهر، وأمثال ذلك من المسائل. /وإذا كان كذلك، فهذا الفخار طاهر؛ إذ ليس فيه من النجاسة شيء. وإن قيل: إنه خالطه من دخانها خرج على القولين، والصحيح أنه طاهر. وأما نفس استعمال النجاسة فقد تقدم الكلام فيه، والنزاع في الماء المسخن بالنجاسة فإنه طاهر، لكن هل يكره على قولين: هما روايتان عن أحمد. أحداهما: لا يكره، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي. والثاني: يكره، وهو مذهب مالك. وللكراهة مأخذان: أحدهما: خشية أن يكون قد وصل إلى الماء شيء من النجاسة، فيكره لاحتمال تنجسه، فعلى هذا إذا كان بين الموقد وبين النار حاجز حصين لم يكره، وهذه طريقة الشريف أبي جعفر، وابن عقيل، وغيرهما. والثاني: أن سبب الكراهة كون استعمال النجاسة مكروهاً وأن السخونة حصلت بفعل مكروه، وهذه طريقة القاضي أبي يعلى، ومثل هذا/طبخ الطعام بالوقود النجس، فإن نضج الطعام كسخونة الماء، والكراهة في طبخ الفخار بالوقود النجس تشبه تسخين الماء الذي ليس بينه وبين النار حاجز. والله أعلم.
فأجاب: أما بول ما يؤكل لحمه، وروث ذلك، فإن أكثر السلف على أن ذلك ليس بنجس، وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما، ويقال: إنه لم يذهب أحد من الصحابة إلى تنجيس ذلك، بل القول بنجاسة ذلك قول محدث لا سلف له من الصحابة. وقد بسطنا القول في هذه المسألة في كتاب مفرد، وبينا فيه بضعة عشر دليلا شرعياً، وأن ذلك ليس بنجس . والقائل بتنجيس ذلك ليس معه دليل شرعي على نجاسته أصلا، فإن غاية ما اعتمدوا عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (تنزهوا من البول) ، وظنوا أن هذا عام في جميع الأحوال، وليس كذلك، فإن اللام لتعريف العهد، والبول المعهود هو بول الآدمي، ودليله قوله: (تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) ومعلوم أن عامة عذاب/القبر إنما هو من بول الآدمي نفسه الذي يصيبه كثيراً، لا من بول البهائم الذي لا يصيبه إلا نادراًَ. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر العرنيين الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام أن يلحقوا بإبل الصدقة، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يأمرهم مع ذلك بغسل ما يصيب أفواههم وأيديهم، ولا بغسل الأوعية التي فيها الأبوال، مع حدثان عهدهم بالإسلام، ولو كان بول الأنعام كبول الإنسان لكان بيان ذلك واجبًا، ولم يجز تأخير البيان عن وقت الحاجة، لاسيما مع أنه قرنها بالألبان التي هي حلال طاهرة، مع أن التداوي بالخبائث قد ثبت فيه النهى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة. وأيضا، فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم ، وأنه أذن في الصلاة في مرابض الغنم من غير اشتراط حائل، ولو كانت أبعارها نجسة لكانت مرابضها كحشوش بني آدم، وكان ينهى عن الصلاة فيها مطلقًا، أو لا يصلي فيها إلا مع الحائل المانع، فلما جاءت السنة بالرخصة في ذلك، كان من سوي بين أبوال الآدميين وأبوال الغنم مخالفًا للسنة. وأيضا، فقد طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعيره،/مع إمكان أن يبول البعير، وأيضا، فمازال المسلمون يدوسون حبوبهم بالبقر مع كثرة ما يقع في الحب من البول وأخباث البقر. وأيضا،فإن الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز التنجيس إلا بدليل، ولا دليل على النجاسة؛ إذ ليس في ذلك نص ولا إجماع ولا قياس صحيح.
فأجاب: الحمد لله، إذا كان الزبل طاهرًا مثل زبل البقر والغنم والإبل، وزبل الخيل، فهذا لا ينجس الخبز. وإن كان نجسا كزبل البغال والحمر، وزبل سائر البهائم، فعند بعض العلماء: إن كان يابسًا، فقد يبس الفرن منه، ولم ينجس الخبز، وإن علق بعضه بالخبز قلع ذلك الموضع، ولم ينجس الباقي. والله أعلم.
/ فأجاب: أما الكلب، فللعلماء فيه ثلاثة أقوال معروفة: أحدها: أنه نجس كله حتي شعره، كقول الشافعي، وأحمد في إحدي الروايتين عنه. والثاني: أنه طاهر حتي ريقه، كقول مالك في المشهور عنه. والثالث: أن ريقه نجس، وأن شعره طاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة المشهور عنه، وهذه هي الرواية المنصورة عند أكثر أصحابه، وهو الرواية الأخري عن أحمد وهذا أرجح الأقوال. فإذا أصاب الثوب أو البدن رطوبة شعره، لم ينجس بذلك، وإذا ولغ في الماء أريق، وإذا ولغ في اللبن ونحوه، فمن العلماء من يقول: يؤكل ذلك الطعام كقول مالك وغيره. ومنهم من يقول: يراق، كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.فأما إن كان اللبن كثيرًا، فالصحيح أنه لا ينجس. وله في الشعور النابتة على محل نجس ثلاث روايات: إحداها: أن جميعها طاهر حتي شعر الكلب والخنزير، وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز. والثانية: أن جميعها نجس، كقول الشافعي. / والثالثة : أن شعر الميتة إن كانت طاهرة في الحياة كان طاهرًا كالشاة والفأرة، وشعر ما هو نجس في حال الحياة نجس: كالكلب والخنزير، وهذه هي المنصوصة عند أكثر أصحابه. والقول الراجح:هو طهارة الشعور كلها: شعر الكلب والخنزير وغيرهما،بخلاف الريق. وعلى هذا، فإذا كان شعر الكلب رطبا وأصاب ثوب الإنسان، فلا شيء عليه، كما هو مذهب جمهور الفقهاء: كأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدي الروايتين عنه، وذلك لأن الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليل. كما قال تعالى: وإذا كان كذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعًا، أولاهن بالتراب)، وفي الحديث الآخر: (إذا ولغ الكلب). فأحاديثه كلها ليس فيها إلا ذكر الولوغ، لم يذكر سائر الأجزاء، فتنجيسها إنما هو بالقياس. /فإذا قيل: إن البول أعظم من الريق، كان هذا متوجها. وأما إلحاق الشعر بالريق فلا يمكن؛ لأن الريق متحلل من باطن الكلب، بخلاف الشعر، فإنه نابت على ظهره. والفقهاء كلهم يفرقون بين هذا، وهذا. فإن جمهورهم يقولون: إن شعر الميتة طاهر، بخلاف ريقها. والشافعي وأكثرهم يقولون: إن الزرع النابت في الأرض النجسة طاهر، فغاية شعر الكلب أن يكون نابتًا في منبت نجس، كالزرع النابت في الأرض النجسة، فإذا كان الزرع طاهراً فالشعر أولي بالطهارة؛ لأن الزرع فيه رطوبة ولين يظهر فيه أثر النجاسة، بخلاف الشعر فإن فيه من اليبوسة والجمود ما يمنع ظهور ذلك. فمن قال من أصحاب أحمد كابن عقيل وغيره: إن الزرع طاهر فالشعر أولي، ومن قال: إن الزرع نجس فإن الفرق بينهما ما ذكر، فإن الزرع يلحق بالجلالة التي تأكل النجاسة، وهذا ـ أيضا ـ حجة في المسألة، فإن الجلالة التي تأكل النجاسة، قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبنها فإذا حبست حتي تطيب كانت حلالا باتفاق المسلمين؛ لأنها قبل ذلك يظهر أثر النجاسة في لبنها وبيضها وعرقها، فيظهر نتن النجاسة وخبثها، فإذا زال ذلك عادت طاهرة، فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها. والشعر لا يظهر فيه شيء من آثار النجاسة أصلا، فلم يكن لتنجيسه معني. /وهذا يتبين بالكلام في شعور الميتة كما سنذكره ـ إن شاء اللّه تعالى. وكل حيوان قيل بنجاسته، فالكلام في شعره وريشه كالكلام في شعر الكلب، فإذا قيل: بنجاسة كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير إلا الهرة، وما دونها في الخلقة، كما هو مذهب كثير من العلماء ـ علماء أهل العراق ـ وهو أشهر الروايتين عن أحمد فإن الكلام في ريش ذلك وشعره فيه هذا النزاع: هل هو نجس؟ على روايتين عن أحمد: إحداهما : أنه طاهر، وهو مذهب الجمهور كأبي حنيفة والشافعي ومالك. والرواية الثانية: أنه نجس، كما هو اختيار كثير من متأخري أصحاب أحمد، والقول بطهارة ذلك هو الصواب كما تقدم. وأيضًا، فالنبي صلى الله عليه وسلم رخص في اقتناء كلب الصيد، والماشية، والحرث، ولابد لمن اقتناه أن يصيبه رطوبة شعوره كما يصيبه رطوبة البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها /والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة. وأيضاً، فإن لعاب الكلب إذا أصاب الصيد لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء، وهو إحدي الروايتين عن أحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً بغسل ذلك، فقد عفي عن لعاب الكلب في موضع الحاجة، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة، فدل على أن الشارع راعي مصلحة الخلق، وحاجتهم. واللّه أعلم.
فأجاب : مذهب الشافعي وأحمد ـ رضي اللّه عنهما ـ يجب تسبيعه، ومذهب أبي حنيفة ومالك ـ رضي اللّه عنهما ـ لا يجب تسبيعه. واللّه أعلم.
فأجاب : أما سؤر البغل والحمار فأكثر العلماء يجوزون التوضؤ به. كمالك والشافعي، وأحمد في إحدي الروايتين عنه. /والرواية الأخري عنه مشكوك فيه. كقول أبي حنيفة، فيتوضأ به ويتيمم. والثالثة: أنه نجس؛ لأنه متولد من باطن حيوان نجس، فيكون نجساً كلعاب الكلب؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهرة: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) فعلل طهارة سؤرها لكونها من الطوافين علينا والطوافات، وهذا يقتضي أن الحاجة مقتضية للطهارة، وهذا من حجة من يبيح سؤر البغل والحمار. فإن الحاجة داعية إلى ذلك، والمانع يقول ذلك مثل سؤر الكلب، فإنه مع إباحة قنيته لما يحتاج فيه إليه نهى عن سؤره. والمرخص يقول: إن الكلب أباحه للحاجة، ولهذا حرم ثمنه، بخلاف البغل والحمار، فإن بيعهما جائز باتفاق المسلمين. والمسألة مبنية على أسآر السباع، وما لا يؤكل لحمه.
فأجاب : الحمد للّه، إن كان يسيراً عفي عنه، في أحد قولي العلماء./وهو إحدي الروايات عن أحمد، لاسيما إذا كان الزبل قد خلط بالطين الذي طين به السطح، فقد يكون قد استحال، وإن لم يستحل، فالذي تعلق بالقطر شيء يسير.
فأجاب: غسله أحوط، ويعفي عن يسيره في أحد قولي العلماء، وهو إحدي الروايتين عن أحمد.
فأجاب: الحمد للّه ، هو طاهر، وإن وجد بعد موته عند جمهور العلماء، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وأحمد في ظاهر مذهبه.
فأجاب: أمـا نقـل هـذا الخبر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو باطل، بل هو كذب موضوع ، باتفاق علماء الحـديث. ولـكن هـو مشهـور عـن أبي الخلـد عـن أنس، وقـد تكلـم في أبي الخلـد. وأما الذين يقولون: أكثر الحيض خمسة عشر، كما يقوله: الشافعي وأحمد، ويقولون: أقله يوم، كما يقوله الشافعي وأحمد. أو لا حد له كما يقوله مالك، فهم يقولون: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في هذا شيء، والمرجع في ذلك إلى العادة، كما قلنا. واللّه أعلم.
/ فأجاب: وطء الحائض لا يجوز باتفاق الأئمة، كما حرم اللّه ذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن وطئها وكانت حائضاً ، ففي الكفارة عليه نزاع مشهور، وفي غسلها من الجنابة دون الحيض نزاع بين العلماء، ووطء النفساء كوطء الحائض حرام باتفاق الأئمة. لكن له أن يستمتع من الحائض والنفساء بما فوق الإزار. وسواء استمتع منها بفمه أو بيده أو برجله، فلو وطئها في بطنها واستمني جاز. ولو استمتع بفخذيها ففي جوازه نزاع بين العلماء. واللّه أعلم.
فأجاب: أما المرأة الحائض إذا انقطع دمها، فلا يطؤها زوجها حتي/ تغتسل. إذا كانت قادرة على الاغتسال، وإلا تيممت. كما هو مذهب جمهور العلماء كمالك وأحمد والشافعي. وهذا معني ما يروي عن الصحابة حيث روي عن بضعة عشر من الصحابة ـ منهم الخلفاء ـ أنهم قالوا: في المعتدة: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. والقرآن يدل على ذلك، قال اللّه تعالى: /وقد قال بعض أهل الظاهر : المراد بقوله: وأبو حنيفة ـ رحمه اللّه ـ يقول: إذا اغتسلت ، أو مضي عليها وقت صلاة، أو انقطع الدم لعشرة أيام حلت، بناء على أنه محكوم بطهارتها في هذه الأحوال. وقول الجمهور هو الصواب. كما تقدم واللّه أعلم.
فأجاب: أما مذهب الفقهاء كمالك والشافعي وأحمد فإنه لا يجوز/وطؤها حتي تغتسل. كما قال تعالى:
أحدهما عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: (إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قـدر الأيام التي كنت تحيضـين فيها، ثم اغتسلي وصلي) وفي روايـة: (وليسـت بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي). والحديث الثاني عن عائشة ـ أيضاً ـ رضي اللّه عنها ـ : أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأمرها أن تغتسل لكل صلاة. فهل كانت تغتسل الغسل الكامل المشروع؟ أم كانت تغسل الدم وتتوضأ؟ ومع هذا / فهل كانت ناسية لأيام الحيض؟ أم كانت مبتدأة ؟ وهل نسخ أحد الحديثين الآخر ؟ وأيهما كان الناسخ؟ وهل إذا ابتليت المرأة بما ابتليت به أم حبيبة أن تغتسل الغسل الكامل؟ وإذا أمرت بالغسل فيكون هذا من الحرج العظيم، وقد قال اللّه تعالى : فأجاب : ليس أحد الحديثين ناسخاً للآخر، ولا منافاة بينهما. فإن الحديث الأول: فيمن كانت لها عادة تعلم قدرها، فإذا استحيضت قعدت قدر العادة، ولهذا قال : (فدعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها) وقال: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي) وبهذا الحديث أخذ جمهور العلماء في المستحاضة المعتادة. أنها ترجع إلى عادتها، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي والإمام أحمد. لكنهم متنازعون لو كانت مميزة تميز الدم الأسود من الأحمر: فهل تقدم التمييز على العادة، أم العادة على التمييز؟ فمنهم من يقدم التمييز على العادة. وهو مذهب الشافعي وأحمد في إحدي الروايتين. والثاني: في أنها تقدم العادة، وهو ظاهر الحديث، وهو مذهب/ أبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين عنه، بل أبو حنيفة لم يعتبر التمييز كما أن مالكا لم يعتبر العادة، لكن الشافعي وأحمد يعتبران هذا وهذا والنزاع في التقديم. وأما الحديث الثاني: فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولكن أمرها بالغسل مطلقاً، فكانت هي تغتسل لكل صلاة، والغسل لكل صلاة مستحب، ليس بواجب عند الأئمة الأربعة، وغيرهم، إذا قعدت أياماً معلومة هي أيام الحيض ثم اغتسلت، كما تغتسل من انقطع حيضها ثم صلت وصامت في هذه الاستحاضة، بل الواجب عليها أن تتوضأ عند كل صلاة من الصلوات الخمس عند الجمهور، كأبي حنيفة والشافعي وأحمد. وأما مالك فعنده ليس عليها وضوء ولا غسل، فإن دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء عنده لا هو ولا غيره من النادرات، وقد احتج الأكثرون بما في الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة. وهذه المستحاضة الثانية لم تكن مبتدأة، وإن كان ذلك قد ظنه بعض الناس، فإنها كانت عجوزاً كبيرة، وإنما حملوا أمرها على أنها كانت ناسية لعادتها، وفي السنن: (أنها أمرت أن تحيض ستاً أو سبعاً) كما جاء ذلك في حديث سلمة بنت سهل ،وبهذا احتج الإمام /أحمد وغيره على أن المستحاضة المتحيرة تجلس ستاً أو سبعاً، وهو غالب الحيض. وفي المستحاضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنن: سنة في العادة لم تقدم، وسنة في المميزة وهو قوله: (دم الحيض أسود يعرف) وسنة في غالب الحيض، وهو قوله: (تحيضي ستاً أو سبعاً، ثم اغتسلي، وصلي ثلاثاً وعشرين، أو أربعاً وعشرين، كما تحيض النساء، ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن). والعلماء لهم في الاستحاضة نزاع فإن أمرها مشكل لاشتباه دم الحيض بدم الاستحاضة، فلابد من فاصل يفصل هذا من هذا. والعلامات التي قيل بها ستة: إما العادة: فإن العادة أقوي العلامات؛ لأن الأصل مقام الحيض دون غيره. وإما التمييز؛ لأنه الدم الأسود والثخين المنتن أولي أن يكون حيضاً من الأحمر. وأما اعتبار غالب عادة النساء؛ لأن الأصل إلحاق الفرد بالأعم/الأغلب، فهذه العلامات الثلاث تدل عليها السنة والاعتبار، ومن الفقهاء من يجلسها ليلة وهو أقل الحيض، ومنهم من يجلسها الأكثر؛ لأنه أصل دم الصحة. ومنهم من يلحقها بعادة نسائها. وهل هذا حكم الناسية؛ أو حكم المبتدأة والناسية جميعاً فيه نزاع؟ وأصوب الأقوال اعتبار العلامات التي جاءت بها السنة، وإلغاء ما سوي ذلك. وأما المتحيرة فتجلس غالب الحيض، كما جاءت به السنة، ومن لم يجعل لها دماً محكوماً بأنه حيض، بل أمرها بالاحتياط مطلقاً، فقد كلفها أمراً عظيماً لا تأتي الشريعة بمثله، وفي تبغيض عبادة اللّه إلى أهل دين اللّه ، وقد رفع اللّه الحرج عن المسلمين، وهو من أضعف الأقوال جداً. وأصل هذا: أن الدم باعتبار حكمه لا يخرج عن خمسة أقسام: دم مقطوع بأنه حيض، كالدم المعتاد الذي لا استحاضة معه. ودم مقطوع بأنه استحاضة، كدم الصغيرة. ودم يحتمل الأمرين، لكن الأظهر أنه حيض. وهو دم المعتادة/ والمميزة ونحوهما من المستحاضات، الذي يحكم بأنه حيض. ودم يحتمل الأمرين، والأظهر أنه دم فساد. وهو الدم الذي يحكم بأنه استحاضة من دماء هؤلاء. ودم مشكوك فيه لا يترجح فيه أحد الأمرين، فهذا يقول به طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، فيوجبون على من أصابها أن تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم. والصواب أن هذا القول باطل لوجوه: أحدها: أن اللّه تعالى يقول : الوجه الثاني : أن الشريعة ليس فيها إيجاب الصلاة مرتين ، ولا / الصيام مرتين، إلا بتفريط من العبد. فأما مع عدم تفريطه، فلم يوجب اللّه صوم شهرين في السنة، ولا صلاة ظهرين في يوم، وهذا مما يعرف به ضعف قول من يوجب الصلاة، ويوجب إعادتها. فإن هذا أصل ضعيف. كما بسط القول عليه في غير هذا الموضع. ويدخل في هذا من يأمر بالصلاة خلف الفاسق وإعادتها، وبالصلاة مع الأعذار النادرة التي لا تتصل وإعادتها. ومن يأمر المستحاضة بالصيام مرتين ونحو ذلك مما يوجد في مذهب الشافعي وأحمد في أحد القولين. فإن الصواب ما عليه جمهور المسلمين أن من فعل العبادة كما أمر بحسب وسعه، فلا إعادة عليه، كما قال تعالى: ولهذا لم يأمر عمر وعماراً بإعادة الصلاة، لما كان جنبين. فعمر لم يصل، وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة ، ظَناً أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء، وكذلك الذين أكلوا ـ من الصحابة ـ حتي تبين لهم الحبال السود من البيض لم يأمرهم بالإعادة . وكذلك الذين صلوا إلى غير الكعبة قبل أن يبلغهم الخبر الناسخ لم يأمرهم بالإعادة ، وكان بعضهم بالحبشة،وبعضهم بمكة، وبعضهم بغيرها، بل بعض من كان بالمدينة صلوا بعض الصلاة إلى الكعبة، وبعضها إلى الصخرة ولم يأمرهم بالإعادة، ونظائرها متعددة. فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزاً عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه، ولا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها. ولهذا عذر المجتهد المخطئ لعجزه عن معرفة الحق في تلك المسألة، وهذا بخلاف المفرط المتمكن من فعل ما أمر به، فهذا هو الذي يستحق العقاب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمـران ابن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . وهذه قاعدة كبيرة تحتاج إلى بسط ليس هذا موضعه. /ومقصود السائل ما يتعلق بالمستحاضة، وقد بينا أن الصواب أنه ليس عليها في صورة من الصور أن تصوم وتقضي الصوم. كما يقوله في بعض الصور من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، وأنه ليس عليها أن تغتسل لكل صلاة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم. واللّه أعلم.
فأجاب: لا يجوز وطء الحائض والنفساء حتي يغتسلا، فإن عدمت الماء أو خافت الضرر باستعمالها الماء لمرض أو برد شديد تتيمم، وتوطأ بعد ذلك، هذا مذهب جماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد. وقد دل على ذلك القرآن بقوله تعالى: وأما أبو حنيفة: فمذهبه: إن انقطع الدم لعشرة أيام أو أكثر، ومر عليها وقت صلاة، أو اغتسلت وطئها، وإلا فلا. واللّه أعلم.
/ فأجاب: الحمد للّه. أما وطؤها قبل أن ينقطع الدم، فحرام باتفاق الأئمة. وإذا انقطع الدم بدون الأربعين فعليها أن تغتسل وتصلي، لكن ينبغي لزوجها ألا يقربها إلى تمام الأربعين. وأما قراءتها القرآن، فإن لم تخف النسيان فلا تقرؤه . وأما إذا خافت النسيان فإنها تقرؤه ـ في أحد قولي العلماء. وإذا انقطع الدم واغتسلت ، قرأت القرآن وصلت بالاتفاق، فإن تعذر اغتسالها لعدم الماء أو لخوف ضرر لمرض ونحوه، فإنها تتيمم وتفعل بالتيمم ما تفعل بالاغتسال واللّه أعلم. آخر المجلد الحادي والعشرين
|