الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآية رقم (219): {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}{يسألونك عن الخمر والميسر} الآية نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وجماعة من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال فأنزل الله هذه الآية: وأصل الخمر في اللغة الستر والتغطية وسميت الخمر خمراً لأنها تخامر العقل أي تخالطه. وقيل: لأنها تستره وتغطيه وجملة القول في تحريم الخمر أن الله عز وجل أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً} سلمون يشربونها في أول الإسلام، وهي لهم حلال ثم نزل بالمدينة في جواب سؤال عمر ومعاذ: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير} فتركها قوم لقوله، إثم كبير وشربها قوم لقوله ومنافع للناس ثم إن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاماً، ودعا إليه ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطعمهم وسقاهم الخمر وحضرت صلاة المغرب فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبد ون بحذف حرف لا إلى آخر السورة فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فحرم الله السكر في أوقات الصلوات فكان الرجل يشربها بعد صلاة العشاء، فيصبح وقد زال سكره فيصلي الصبح، ويشربها بعد صلاة الصبح، فيصحو وقت الظهر ثم إن عتبان بن مالك اتخذ صنيعاً يعني وليمة ودعا رجالاً من المسلمين، وفيهم سعد بن أبي وقاص، وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم فافتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الأشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار، فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحة فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصاري فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، ويروى أن حمزة بن عبد المطلب، شرب الخمر يوماً وخرج فلقي رجلاً من الأنصار وبيده ناضح له والأنصاري يتمثل ببيتين لكعب بن مالك يمدح قومه وهما:فقال حمزة: أولئك المهاجرون وقال الأنصاري، بل نحن الأنصار فتنازعنا فجرد حمزة سيفه وعدا على الأنصاري فهرب الأنصاري وترك ناضحه فقطعه حمزة فجاء الأنصاري مستعدياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بفعل حمزة فغرم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ناضحاً فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فأنزل الله تعالى الآية التي في المائدة إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}فقال عمر: اللهم بين يا رب، وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أن الله تعالى علم أن القوم كانوا قد ألفوا شرب الخمر وكان انتفاعهم بذلك كثيراً فعلم أنه لو منعهم من الخمر دفعه واحدة لشق ذلك عليهم فلا جرم استعمل هذا التدريج وهذا الرفق. قال أنس: حرمت الخمر ولم يكن يومئذٍ للعرب عيش أعجب منها وما حرم عليهم شيء أشد من الخمر.(ق) عن أنس قال: ما كان لنا خمر غير فضيخكم وإني لقائم أسقي أبا طلحة وأبا أيوب وفلاناً وفلاناً إذ جاء رجل، فقال: حرمت الخمر فقالوا: أهرق هذه القلال يا أنس فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر هذا الرجل. الفضيخ بالضاد والخاء المعجمتين شراب يتخذ من بسر مطبوخ والمفضوخ المشدوخ والمكسور والإهراق الصب والقلال جمع قلة وهي الجرة الكبيرة.فصل في تحريم الخمر ووعيد من شربها:أجمعت الأمة على تحريم الخمر، وأنه يحد شاربها ويفسق بذلك مع اعتقاد تحريمها فإن استحل كفر بذلك ويجب قتله.(ق) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا، ومات وهو يدمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة» لفظ مسلم.(م) عن جابر: أن رجلاً قدم من جيشان وجيشان من اليمن فسأل النبي صلى الله عليه وسلم يشربونه بأرضهم من الذرة يقاله له: المزر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو مسكر هو؟ قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام وإن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال. قالوا: وما طينة الخبال يا رسول الله. قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار» وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب مسكراً بخست صلاته أربعين صباحاً فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من طينه الخبال. قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله قال: صديد أهل النار» أخرجه أبو داود. عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر فجعلها في بطنه لم تقبل منه صلاة سبعاً وإن مات فيها مات كافراً فإن أذهبت عقله عن شيء من الفرائض. وفي رواية عن القرآن لم تقبل صلاته أربعين يوماً وإن مات فيها مات كافراً» أخرجه النسائي. عن عثمان بن عفان قال: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث فإنه والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلاّ يوشك أن يخرج أحدهما صاحبه أخرجه النسائي موقوفاً عليه وفيه قصة عن أنس قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وواهبها وآكل ثمنها أخرجه الترمذي.فصل في أحكام تتعلق بالخمر:وفيه مسائل:الأولى في ماهيتها: قال الشافعي: الخمرة عبارة عن عصير العنب النيء الشديد الذي قذف بالزبد وكذلك نقيع الزبيب والتمر المتخذ من العسل والحنطة والشعير والأرز والذرة، وكل ما أسكر فهو خمر، وقال أبو حنيفة: الخمر من العنب والرطب ونقيع التمر والزبيب فإن طبخ حتى ذهب ثلثاه حل شربه والمسكر منه حرام واحتج على ذلك بما روي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى بعض عماله أن ارزق المسلمين من الطلاء، ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وفي رواية: أما بعد فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان فإن له اثنين ولكم واحد أخرجه النسائي. الطلاء بكسر الطاء والمد الشراب المطبوخ من عصير العنب الذي ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، واحتج أيضاً بما روي عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب أخرجه النسائي. واستدل ايضاً على أن السكر حرام لما روي عن أبي الأحوص عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اشربوا ولا تسكروا» وعن عائشة نحوه أخرجه النسائي. وقال هذا حديث غير ثابت، واستدل الشافعي على ان الخمر في عدة أشياء بما روي عن ابن عمر أن عمر قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما بعد أيها الناس أنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل ثلاث، وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا أخرجه البخاري ومسلم.(ق) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام. البتع شراب يتخذ من العسل كان أهل اليمن يشربونه. عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من العنب خمراً وإن من البر خمراً وإن من الشعير خمراً وإن من التمر خمراً» أخرجه أبو داود. وزاد في رواية والذرة وإني أنهاكم عن كل مسكر وللترمذي نحوه وزاد وإن من العسل خمراً.(خ) عن ابن عباس أنه سئل عن الباذق فقال: سبق حكم محمد في الباذق، فما أسكر فهو حرام عليك والشراب الحلال الطيب ليس بعد الحلال الطيب ليس بعد الحلال الطيب إلاّ الحرام الخبيث قال صاحب المطالع: الباذق بفتح الذال المعجمة هو الظلاء المطبوخ من عصير العنب كان أول من صنعه وسماه بنو أمية لينقلوه عن اسم الخمر، وكل ما أسكر فهو خمر لأن الاسم لا ينقله عن معناه الموجودة فيه.وقال ابن الأثير في النهاية الباذق الخمر تعريب باذه وهو اسم للخمر بالفارسية أي لم يكن في زمانه أو سبق. قوله: فيها وفي غيرها من جنسها. وقيل معناه سبق حكم محمد صلى الله عليه وسلم إن ما اسكر فهو حرام. عن أم سلمة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر أخرجه أبو داود: والمفتر كل شراب أحمى الجسد وصار فيه فتور وضعف وانكسار واستدل الشافعي على ما أسكر فقليله حرام، مما روي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» أخرجه الترمذي وأبو داود. عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام» أخرجه أبو داود والنسائي. وفي رواية له «والحسوة منه حرام» الفرق بالتحريك مكيال يسع تسعة عشر رطلاً بالبغدادي، وأجيب عن حديث عمر في الطلاء بأنه معارض بما روي عن السائب يزيد أن عمر قال: وجدت من فلان ريح شراب وزعم أنه شرب الطلاق وأنا سائل عنه فإن كان يسكر جلدته فسأل عنه فقيل له: إنه يسكر فجلده عمر الحد تاماً أخرجه مالك في الموطأ. وأما حديث ابن عباس، فموقوف عليه ومعارض بما روي عنه في الباذق، قوله: والسكر من كل شراب قد رواه الحفاظ السكر بفتح السين. قال صاحب الغريبين: السكر خمر الأعاجم، ويقال لهم يسكر السكر وروى هذا الحديث ابن حنبل وقال فيه: والمسكر من كل شراب، وقال موسى بن هارون: وهو الصواب، وأما حديث أبي الأحوص ففيه وهمان: أحدهما في سنده حيث قال: عن أبي بردة، وإنما يرويه سماك عن القاسم عن ابن بريدة عن أبيه والوهم الثاني في متنه حيث قال: اشربوا ولا تسكروا، وإنما يرويه الناس ولا تشربوا مسكراً، ويدل على صحة هذا ما روى مسلم في صحيحه عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً» وقال النسائي: في حديث أبي الأحوص هذا حديث منكر غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم لا يعلم أن أحداً تابعه عليه من أصحاب سماك، وأما حديث عائشة فيه فهو غير ثابت كما تقدم في قول النسائي.المسألة الثانية: في الحكم بنجاسة الخمر: الخمر وما يلحق بها نجسه العين ويدل على نجاستها قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيكان فاجتنبوه} والرجس في اللغة النجس والشيء المستقذر وقوله تعالى: {فاجتنبوه} فأمر باجتنابها فكانت نجسة العين ويدل على نجاستها أيضاً أنها محرمة التناول لا للاحترام، ولأن الناس مشغوفون بها فينبغي أن يحكم بنجاستها تأكيداً للزجر عنها.المسألة الثالثة: في تحريم بيعها والانتفاع بها. أجمعت الأمة على تحريم بيع الخمر والانتفاع بها وتحريم ثمنها ويدل على ذلك ما روي عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام فتح مكة: «إن الله تعالى حرم بيع الخمر والانتفاع بها والميتة والخنزير والأصنام» أخرجاه في الصحيحين مع زيادة اللفظ.(ق) عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «حرمت التجارة في الخمر».(ق) عن ابن عباس قال بلغ عمر بن الخطاب أن فلاناً باع خمراً فقال قاتل الله فلاناً ألم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها» عن المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من باع الخمر فليشقص الخنازير» أخرجه أبو داود. وقوله فليشقص الخنازير أي فليقطعها قطعاً كما تقطع الشاة للبيع والمعنى من استحل بيع الخمر فلستحل بيع الخنازير فإنهما في التحريم سواء. عن أبي طلحة قال يا نبي الله إني اشتريت خمراً لأيتام في حجري. فقال: اهرق الخمر واكسر الدنان أخرجة الترمذي. وقال وقد روي عن أنس إن أبا طلحة كان عنده خمر لأيتام وهو أصح. فإن قلت فما وجه قوله تعالى: {ومنافع للناس} قلت: منافعها اللذة التي توجد عند شربها والفرح والطرب معها وما كانوا يصيبون من الربح في ثمنها، وذلك قبل التحريم فلما حرمت حرم ذلك كله.فصل:وأما الميسر فهو القمار واشتقاقه من اليسر لأنه أخذ مال بسهولة من غير تعب، وكذا قال ابن عباس كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله فأنزل الله هذه الآية. وأصل الميسر أن أهل الثروة من العرب في الجاهلية كانوا يشترون جزوراً فينحرونها ويجزئونها ثمانية وعشرين جزءاً، ثم يسهمون عليها بعشرة قداح لها بعشرة قداح يقال لها: الأزلام والأقلام وأسماؤها الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى والمنيح والسفيح والوغد وكانوا يسهمون لسبعة منها أنصاب فللفذ سهماً وللتوأم سهمين وللرقيب ثلاثة أسهم وللحلس أربعة وللنافس خمسة، وللمبسل ستة وللمعلى سبعة وثلاثة من القداح لا أنصباء لها وهي المنيح والسفيح والوغد قال بعضهم: ثم يجمعون القداح في خريطة الريابة، ويضعونها على يد رجل عدل عندهم يسمونه المحيل والمفيض فيحيلها في الخريطة، ويخرج منها قدحاً باسم رجل منهم فأيهم خرج اسمه أخذ نصيبه على قدر ما يخرج من القداح، وإن خرج له قدح من الثلاثة التي لا أنصباء لها لم يأخذ شيئاً وغم ثمن الجزور كله وقيل: لا يأخذ ولا يغرم ويسمون ذلك القدح لغواً ثم يدفعون ذلك الجزور إلى الفقراء ولا يأكلون منه شيئاً وكانوا يفتخرون بذلك ويذمون من لا يفعله ويسمونه البرم يعني البخيل الذي لا يخرج شيئاً بين الأصحاب لبخله.وأما الحكم الآية فالمراد به جميع أنواع القمار. فكل شيء فيه قمار فهو من الميسر روي عن ابن سيرين ومجاهد وعطاء كل شيء فيه خطر يعني الرهن فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالحوز والكعاب وأما النرد فيحرم اللعب به سواء كان بخطر أم لا يدل على تحريمه ما روي عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في دم خنزير» أخرجه مسلم. وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لعب بنرد أو نردشير فقد عصى الله ورسوله» أخرجه أبو داود. وعن علي بن أبي طالب قال النرد والشطرنج من الميسر. واختلفوا في الشطرنج فمذهب أبي حنفية أنه يحرم اللعب به سواء كان برهن أو بغير رهن، ومذهب الشافعي أنه مباح بشروط ذكرها الشافعي فقال: إذا خلا الشطرنج عن الرهان واللسان عن الطغيان ويروى عن الهذيان والصلاة عن النسيان لم يكن حراماً، وهو خارج عن الميسر لأن الميسر ما يوجب دفع مال، وأخذ مال وهذا ليس كذلك وقوله تعالى: {قل فيهما} يعني في الخمر والميسر {إثم كبير} أي وزر عظيم وقيل: إن الخمر عدو للعقل فإذا غلبت على عقل الإنسان ارتكب كل قبيح ففي ذلك آثام كبيرة منها إقدامه على شرب المحرم ومنها فعل ما لا يحل فعله. وأما الإثم الكبير في الميسر فهو أكل المال الحرام بالباطل وما يجري بينهما من الشتمّ والمخاصمة والمعاداة وكل ذلك فيه آثام كثيرة {ومنافع للناس} يعني أنهم كانوا يربحون في بيع الخمر قبل تحريمها. وأما منافع الميسر فهو أخذ مال بغير كد ولا تعب. قيل ربما أن الواحد منهم كان يقمر في المجلس الواحد مائة بعير، فيحصل له المال الكثير، وربما كان يصرفه إلى المحتاجين فيكسب بذلك الثناء والمدح، وهو المنفعة {وإثمهما أكبر من نفعهما} يعني إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل الترحيم، وقيل: إثمهما قوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} فهذه ذنوب يترتب عليها آثام كبيرة بسبب الخمر والميسر. قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون} وذلك أن رسول الله صلة الله عليه وسلم حضهم على الصدقة فقالوا ماذا ننفق فقال الله تعالى: {قل العفو} يعني الفضل والعفو ما فضل عن قدر الحاجة.فكانت الصحابة يكتسبون المال ويمسكون قدر النفقة. ويتصدقون بالفاضل بحكم هذه الآية ثم نسخ ذلك بآية الزكاة وقيل: هو التصدق عن ظهر غنى.(ق) عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول» وقيل: هو الوسط في الإنفاق من غير إسراف ولا إقتار وقيل: هو في صدقة التطوع إذ لو كان المراد بهذا الإنفاق الواجب لبين الله قدره فلما لم يبينه دل ذلك على أن المراد به صدقة التطوع {كذلك يبين الله لكم الآيات} أي يبين لكم الأمور التي سألتم عنها من وجوه الإنفاق ومصارفه {لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}. يعني فتأخذون ما يصلحكم في الدنيا وتنفقون الباقي فينفعكم في الآخرة. وقيل: لعلكم تتفكرون في زوال الدنيا فتزهدوا فيها وفي إقبال الآخرة وبقائها فترغبوا فيها.
|