الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال القرطبي: قوله تعالى: {استجيبوا لِرَبِّكُمْ} أي أجيبوه إلى ما دعاكم إليه من الإيمان به والطاعة.استجاب وأجاب بمعنًى؛ وقد تقدّم.{مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} يريد يوم القيامة؛ أي لا يردّه أحد بعد ما حكم الله به وجعله أجلًا ووقتًا.{مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ} أي من ملجأ ينجيكم من العذاب.{وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ} أي من ناصر ينصركم؛ قاله مجاهد.وقيل: النكير بمعنى المنكر؛ كالأليم بمعنى المؤلم؛ أي لا تجدون يومئذ منكرًا لما ينزل بكم من العذاب؛ حكاه ابن أبي حاتم؛ وقاله الكلبي.الزجاج: معناه أنهم لا يقدرون أن ينكروا الذنوب التي يوقفون عليها.وقيل: {مِنْ نَكِيرٍ} أي إنكار ما ينزل بكم من العذاب، والنكير والإنكار تغيير المنكر.قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُواْ} أي عن الإيمان {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي حافظًا لأعمالهم حتى تحاسبهم عليها.وقيل: موكلًا بهم لا تفارقهم دون أن يؤمنوا؛ أي ليس لك إكراههم على الإيمان.{إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ} وقيل: نسخ هذا بآية القتال.{وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان} الكافر.{مِنَّا رَحْمَةً} رخاء وصحة.{فَرِحَ بِهَا} بطِربها.{وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} بلاء وشدّة.{بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} أي لما تقدّم من النعمة فيعدّد المصائب وينسى النعم. اهـ..قال الألوسي: {استجيبوا لِرَبّكُمْ}.إذا دعاكم لما به النجاة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} الجار والمجرور أما متعلق بمرد ويعامل اسم لا الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه كما نص عليه ابن مالك في (التسهيل)؛ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «لا مانع لما أعطيت» وقوله تعالى: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم} [يوسف: 92] أي لا يرده الله تعالى بعدما حكم به.ومن لم يرض بذلك قال: هو خبر لمبتدأ محذوف أي ذلك من الله تعالى، والجملة استئناف في جواب سؤال مقدر تقديره ممن ذلك؟ أو حال من الضمير المستتر في الظرف الواقع خبر لا أو متعلق بالنفي أو بما دل عليه كما قيل في قوله تعالى: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: 2] وقيل: هو متعلق بيأتي، وتعقب بأنه خلاف المتبادر من اللفظ والمعنى، وقيل: هو مع ذلك قليل الفائدة، وجوز كونه صفة ليوم، وتعقب بأنه ركيك معنى، والظاهر أن المراد بذلك اليوم يوم القيامة لا يوم ورود الموت كما قيل: {مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ} أي ملاذ تلتجئون إليه فتخلصون من العذاب على أن {مَلْجَأَ} اسم مكان، ويجوز أن يكون مصدرًا ميميًا {وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ} إنكار على أنه مصدر أنكر على غير القياس ونفى ذلك مع قوله تعالى حكاية عنهم: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] تنزيلًا لما يقع من إنكارهم منزلة العدم لعدم نفعه وقيام الحجة وشهادة الجوارح عليهم أو يقال أن الأمرين باعتبار تعدد الأحوال والمواقف، وجوز أن يكون {نَكِيرِ} اسم فاعل للمبالغة أي ما لكم منكر لأحوالكم غير مميز لها ليرحمكم وهو كما ترى.{فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} تلوين للكلام وصرف له عن خطاب الناس بعد أمرهم بالاستجابة وتوجيه له إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي فإن لم يستجيبوا وأعرضوا عما تدعوهم إليه فلا تهتم بهم فما أرسلناك رقيبًا ومحاسبًا عليهم {إِنْ عَلَيْكَ} أي ما عليك {إِلاَّ البلاغ} لا الحفظ وقد فعلت.{وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} أي نعمة من الصحة والغنى والأمن ونحوها {فَرِحَ بِهَا} أريد بالإنسان الجنس الشامل للجميع وهو حينئذ بمعنى الأناسي أو الناس ولذا جمع ضميره في قوله سبحانه: {وَإِن تُصِبْهُمْ} وليست للاستغراق والجمعية لا تتوقف عليه فكأنه قيل: وإن تصب الناس أو الأناسي {سَيّئَةٌ} بلاء من مرض وفقر وخوف وغيرها {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بسبب ما صدر منهم من السيئات {فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} بليغ الكفر ينسى النعمة رأسًا ويذكر البلية ويستعظمها ولا يتأمل سببها بل يزعم أنها أصابته من غير استحقاق لها.وأل فيه أيضًا للجنس، وقيل: هي فيهما للعهد على أن المراد المجرمون، وقيل: هي في الأول للجنس وفي الثاني للعهد، وقال الزمخشري: أراد بالإنسان الجمع لا الواحد لمكان ضمير الجمع ولم يرد إلا المجرمين لأن إصابة السيئة بما قدمت أيديهم إنما يستقيم فهيم، ثم قال: ولم يقل فإنه لكفور ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم كما قال سبحانه: {إن إنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] {إِنَّ الإنسان لِرَبّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6] ففهم منه العلامة الطيبي أنها في الأول للعهد وأن المراد الكفار المخاطبون في قوله تعالى: {استجيبوا لِرَبّكُمْ} [الشورى: 47] فإن أعرضوا {وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ}، ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بتصميمهم على الكفران والإيذان بأنهم لا يرعوون مما هم فيه وأنها في الثاني للجنس ليكون المعنى لس ببدع من هذا الإنسان المعهود الإصرار لأن هذا الجنس موسوم بكفران النعم فيكون ذم المطلق دليلًا على ذم المقيد، وفي (الكشف) أنه أراد أن الإنسان أي الأول للجنس الصالح للكل وللبعض وإذا قام دليل على إرادة البعض تعين وقد قام لما سلف أن الإصابة في غير المجرمين للعوض الموفي ولم يذهب إلى أن اللام للعهد وجعل قوله تعالى: {فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} للجنس ليكون تعليلًا للمقيد بطريق الأولى ومطابقًا لما جاء في مواضع عديدة من الكتاب العزيز؛ ولا بأس بأن يجعل إشارة إلى السالف فإنه للجنس أيضًا، ويكون في وضع المظهر موضع المضمر الفائدة المذكورة مرارًا بل هو أدل على القانون الممهد في الأصول وبكون كليهما للجنس أقول؛ وإسناد الكفران مع أنه صفة الكفرة إلى الجنس لغلبتهم فهو مجاز عقلي حيث أسند إلى الجنس حال أغلب أفراده لملابسته الأغلبية، ويجوز أن يعتبر أغلب الأفراد عين الجنس لغلبتهم على غيرهم فكيون المجاز لغويًا، وكذا يقال في إسناد الفرح إذا كان بمعنى البطر فإنه أيضًا من صفات الكفرة بل أن كان أيضًا بمعناه المعروف وهو انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية فإنه وإن لم يكن من خواص الكفار بل يكون في المؤمنين أيضًا اضطرارًا أو شكرًا إلا أنه لا يعم جميع أفراد الجنس وإن قلت بعمومه لم تحتج إلى ذلك كما إذا فسرته بالبطر على إرادة العهد في الإنسان، وإصابة السيئة بالذنوب غير عامة للأفراد أيضًا فحال إسنادها يعلم مما ذكرنا؛ وتصدير الشرطية الأولى بإذا مع إسناد الإذاقة بلفظ الماضي إلى نون العظمة للتنبية على أن إيصال النعمة محقق الوجود كثير الوقوع وأنه مراد بالذات من الجواب المطلق سبحانه وتعالى كما أن تصدير الثانية بإن وإسناد الإصابة بلفظ المضارع إلى السيئة وتعليلها بأعمالهم للإيذان بندرة وقوعها وأنها بمنزل عن الانتظام في سلك الإرادة بالذات والقصد الأولى، وإقامة علة الجزاء مقام الجزاء مبالغة في ذمهم. اهـ..قال ابن عاشور: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ}.بعد أن قُطع خطابهم عقب قوله: {فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا} [الشورى: 36] بما تخلّص به إلى الثناء على فِرَق المؤمنين، وما استتبع ذلك من التسجيل على المشركين بالضلالة والعذاب، ووصفِ حالهم الفظيع، عاد الكلام إلى خطابهم بالدعوة الجامعة لما تقدم طلبًا لتدارك أمرهم قبل الفوات، فاستؤنف الكلام استئنافًا فيه معنى النتيجة للمواعظ المتقدمة لأن ما تقدم من الزواجر يهيّىء بعض النفوس لقبول دعوة الإسلام.والاستجابة: إجابة الداعي، والسين والتاء للتوكيد.وأطلقت الاستجابة على امتثال ما يطالبهم به النبي صلى الله عليه وسلم تبليغًا عن الله تعالى على طريقة المجاز لأن استجابة النداء تستلزم الامتثال للمنادي فقد كثر إطلاقها على إجابة المستنجد.والمعنى: أطيعوا ربكم وامتثلوا أمره من قبل أن يأتي يوم العذاب وهو يوم القيامة لأن الحديث جارٍ عليه.واللام في {لربكم} لِتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول مثل: حمِدتُ له وشكرتُ له. وتسمى لام التبليغ ولام التبيين. وأصله استجابهُ، قال كعب الغَنَوي:ولعل أصله استجاب دعاءه له، أي لأجله له كما في قوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1] فاختصر لكثرة الاستعمال فقالوا: استجاب له وشكر له، وتقدم في قوله: {فليستجيبوا لي} في سورة البقرة (186).والمردّ: مصدر بمعنى الرد، وتقدم آنفًا في قوله: {هل إلى مَردّ من سبيل} [الشورى: 44].{وَلا مَرد له} صفة {يوم}.والمعنى: لا مرد لإثباته بل هو واقع، و{لَه} خبرُ {لا} النافية، أي لا مرد كائنًا له، ولام {له} للاختصاص.و {مِن}: في قوله: {من الله} ابتدائية وهو ابتداء مجازي، ومعناه: حكمُ الله به فكأنَّ اليوم جاء من لدنه.ويجوز تعليق المجرور بفعل {يأتي}.ويجوز أن يتعلق بالكون الذي في خبر {لا}.والتقدير على هذا: لا مرد كائنًا من الله له وليس متعلقًا ب {مرد} على أنه متمم معناه، إذ لو كان كذلك كان اسم {لا} شبيهًا بالمضاف فكان منوّنًا ولم يكن مبنيًا على الفتح، وما وقع في (الكشاف) مما يوهم هذا مؤوّل بما سمعتَ، ولذلك سمّاه صلة، ولم يسمه متعلقًا.وجملة {ما لكم من ملجإٍ يومئذٍ} مستأنفة.والملجأ: مكان اللجأ، واللجأ: المصير والانحياز إلى الشيء، فالملجأ: المكان الذي يصير إليه المرء للتوقّي فيه، ويطلق مجازًا على الناصر، وهو المراد هنا، أي ما لكم من شيء يقيكم من العذاب.والنكير: اسم مصدر أنكر، أي ما لكم إنكار لما جُوزيتم به، أي لا يسعكم إلاّ الاعتراف دون تنصل.{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}.الفاء للتفريع على قوله: {استجيبوا لربكم} [الشورى: 47] الآية، وهو جامع لما تقدم كما علمت إذ أمر الله نبيئه بدعوتهم للإيمان من قوله في أول السورة {وكذلك أوحينا إليك قرأنًا عربيًا لتُنذر أم القُرى ومَن حولها} [الشورى: 7] ثم قوله: {فلذلك فادعُ واستقم} [الشورى: 15].وما تخلل ذلك واعترضه من تضاعيف الأمر الصريح والضمني إلى قوله: {استجيبوا لربكم} [الشورى: 47] الآية، ثم فرّع على ذلك كله إعلام الرسول صلى الله عليه وسلم بمقامه وعَمله إنْ أعْرَض معرضون من الذين يدعوهم وبمعذرته فيما قام به وأنه غير مقصر، وهو تعريض بتسليته على ما لاقاه منهم، والمعنى: فإن أعرضوا بعد هذا كله فما أرسلناك حفيظًا عَلَيهم ومتكفلًا بهم إذ ما عليك إلا البلاغ.وإذ قد كان ما سبق من الأمر بالتبليغ والدعوة مصدَّرًا بِقوله أوائل السورة {والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل} [الشورى: 6]، لا جرم ناسب أن يفرع على تلك الأوامر بعد تمامها مثل ما قدم لها فقال: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا إن عليك إلا البلاغ}.وهذا الارتباط هو نكتة الالتفات من الخطاب الذي في قوله: {استجيبوا لربكم} [الشورى: 47] الآية، إلى الغيبة في قوله هنا {فإن أعرضوا} وإلا لقيل: فإن أعرضتم.والحفيظ تقدم في صدر السورة وقوله: {فما أرسلناك عليهم حفيظًا} ليس هو جواب الشرط في المعنى ولكنه دليل عليه، وقائم مقامه، إذ المعنى: فإن أعرضوا فلستَ مقصرًا في دعوتهم، ولا عليك تَبعة صدّهم إذ ما أرسلناك حفيظًا عليهم، بقرينة قوله: {إن عليك إلا البلاغ}.وجملة {إن عليك إلا البلاغ} بيان لجملة {فما أرسلناك عليهم حفيظًا} باعتبار أنها دالّة على جواب الشرط المقّدر.و{إنْ} الثانية نافية. والجمع بينها وبين {إنْ} الشرطية في هذه الجملة جناس تام.و{البلاغ}: التبليغ، وهو اسم مصدر، وقد فهم من الكلام أنه قد أدى ما عليه من البلاغ لأن قوله: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا} دلّ على نفي التبعة عن النبي صلى الله عليه وسلم من إعراضهم، وأن الإعراض هو الإعراض عن دعوته، فاستفيد أنه قد بلّغ الدعوة ولولا ذلك ما أثبت لهم الإعراض.{البلاغ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنسان}.تتصل هذه الجملة بقوله: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا إن عليك إلا البلاغ}.لِما تضمنته هذه من التعريض بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على ما لاقاه من قومه كما علمت، ويؤذن بهذا الاتصال أن هاتين الجلمتين جُعلتا آيةً واحدة هي ثامنة وأربعون في هذه السورة، فالمعنى: لا يحزنك إعراضهم عن دعوتك فقد أعرضوا عن نِعمتي وعن إنذاري بزيادة الكفر، فالجملة معطوفة على جملة {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا} وابتداء الكلام بضمير الجلالة المنفصل مسنَدًا إليه فعل دون أن يقال: وإذا أذقنا الإنسان الخ، مع أن المقصود وصف هذا الإنسان بالبطَر بالنعمة وبالكفر عند الشدة، لأن المقصود من موقع هذه الجملة هنا تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن جفاء قومه وإعراضهم، فالمعنى: أن معاملتهم ربهم هذه المعاملة تسلّيك عن معاملتهم إياك على نحو قوله تعالى: {يسألك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتابًا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك} [النساء: 153]، ولهذا لا تجد نظائر هذه الجملة في معناها مفتتحًا بمثل هذا الضمير لأن موقع تلك النظائر لا تماثل موقع هذه وإن كان معناهما متماثلًا، فهذه الخصوصية خاصة بهذه الجملة.ولكن نظم هذه الآية جاء صالحًا لإفادة هذا المعنى ولإفادة معنى آخر مقارب له وهو أن يكون هذا حكاية خُلق للناس كلهم مرتكزٍ في الجِبلة لكن مظاهره متفاوتة بتفاوت أفراده في التخلق بالآداب الدينية، فيُحمل {الإنسان} في الموضعين على جنس بني آدم ويحمل الفرح على مُطلقه المقوللِ عليه بالتشكيك حتى يبلغ مبلغ البطر، وتحمل السيئة التي قدمتْها أيديهم على مراتب السيئات إلى أن تبلغ مبلغ الإشراك، ويُحمل وصف {كفور} على ما يشمل اشتقاقه من الكُفر بتوحيد الله، والكُفر بنعمة الله. ولهذا اختلفت محامل المفسرين للآية.فمنهم من حملها على خصوص الإنسان الكافر بالله مثل الزمخشري والقرطبي والطيبي، ومنهم من حملها على ما يعم أصناف الناس مثل الطبري والبغوي والنَسفي وابنِ كثير.
|