الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال آخر: وحكى الكسائي والفراء {قُلْ مَنْ يَكْلَوْكُمْ} بفتح اللام وإسكان الواو.وحكيا {مَنْ يَكْلاَكُمْ} على تخفيف الهمزة في الوجهين، والمعروف تحقيق الهمزة وهي قراءة العامة.فأما {يَكْلاَكُمْ} فخطأ من وجهين فيما ذكره النحاس: أحدهما: أن بدل الهمزة إنما يكون في الشعر.والثاني: أنهما يقولان في الماضي كَلَيْتُه، فينقلب المعنى؛ لأن كَلَيته أوجعت كليته، ومن قال لرجل: كَلاَك الله فقد دعا عليه بأن يصيبه الله بالوجع في كُلْيته.ثم قيل: مخرج اللفظ مخرج الاستفهام والمراد به النفي.وتقديره: قل لا حافظ لكم {بالليل} إذا نمتم {و} بـ: {بِالنَّهَارِ} إذا قمتم وتصرفتم في أموركم.{مِنَ الرحمن} أي من عذابه وبأسه؛ كقوله تعالى: {فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ الله} [هود: 63] أي من عذاب الله.والخطاب لمن اعترف منهم بالصانع؛ أي إذا أقررتم بأنه الخالق، فهو القادر على إحلال العذاب الذي تستعجلونه.{بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ} أي عن القرآن.وقيل: عن مواعظ ربهم.وقيل: عن معرفته.{مُّعْرِضُونَ} لاهون غافلون.قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ} المعنى: ألهم والميم صلة.{تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا} أي من عذابنا.{لاَ يَسْتَطِيعُونَ} يعني الذين زعم هؤلاء الكفار أنهم ينصرونهم لا يستطيعون {نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} فكيف ينصرون عابديهم.{وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} قال ابن عباس: يُمنَعون.وعنه: يُجَارون؛ وهو اختيار الطبري.تقول العرب: أنا لك جار وصاحب من فلان؛ أي مجير منه؛ قال الشاعر: وروى معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: {يُنْصَرُونَ} أي يحفظون.قتادة: أي لا يصحبهم الله بخير، ولا يجعل رحمته صاحبًا لهم.قوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْنَا هؤلاء وَآبَاءَهُمْ} قال ابن عباس: يريد أهل مكة.أي بسطنا لهم ولآبائهم في نعيمها و{طَالَ عَلَيْهِمُ العمر} في النعمة فظنوا أنها لا تزول عنهم، فاغتروا وأعرضوا عن تدبير حجج الله عز وجل.{أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أطرافها} أي بالظهور عليها لك يا محمد أرضًا بعد أرض، وفتحها بلدًا بعد بلدٍ مما حول مكة؛ قال معناه الحسن وغيره.وقيل: بالقتل والسبي؛ حكاه الكلبي.والمعنى واحد.وقد مضى في الرعد الكلام في هذا مستوفى.{أَفَهُمُ الغالبون} يعني كفار مكة بعد أن نقصنا من أطرافهم، بل أنت تغلبهم وتظهر عليهم. اهـ.
وقال مجاهد: يحفظون.وقال السدّي: لا يصحبهم من الملائكة من يدفع عنهم، والظاهر عود الضمير في {ولا هم} على الأصنام وهو قول قتادة.وقيل: على الكفار وهو قول ابن عباس، وفي التحرير مدار هذه الكلمة يعني {يصحبون} على معنيين أحدهما أنه من صحب يصحب، والثاني من الإصحاب أصحب الرجل منعه من الآفات.{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ}.{هؤلاء} إشارة إلى المخاطبين قبل وهم كفار قريش، ومن اتخذ آلهة من دون الله أخبر تعالى أنه متع {هؤلاء} الكفار {وآباءهم} من قبلهم بما رزقهم من حطام الدنيا حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة، وتدعسوا في الضلالة بإمهاله تعالى إياهم وتأخيرهم إلى الوقت الذي يأخذهم فيه {أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} تقدم تفسير هذه الجملة في آخر الرعد.واقتصر الزمخشري من تلك الأقوال على معنى أنّا ننقص أرض الكفر ودار الحرب ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها وردها دار إسلام قال: فإن قلت: أي فائدة في قوله: {نأتي الأرض}؟ قلت: الفائدة فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدي المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها انتهى.وفي ذلك تبشير للمؤمنين بما يفتح الله عليهم، وأكثر المفسرين على أنها نزلت في كفار مكة وفي قولهم: {أفهم الغالبون} دليل على ذلك إذ المعنى أنهم هم الغالبون، فهو استفهام فيه تقريع وتوبيخ حيث لم يعتبروا بما يجري عليهم. اهـ.
وفي تعليق الإعراض بذكره تعالى وإيرادِ اسمِ الرب المضافِ إلى ضميرهم المنبىء عن كونهم تحت ملكوتِه وتدبيره وتربيتِه تعالى من الدلالة على كونهم في الغاية القاصيةِ من الضلالة والغيّ ما لا يخفى، وكلمةُ أم في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} منقطعةٌ وما فيها من معنى بل للإضراب والانتقالِ عما قبله من بيان أن جهلَهم بحفظه تعالى إياهم لعدم خوفِهم الناشىءِ عن إعراضهم عن ذكر ربهم بالكلية إلى توبيخهم باعتمادهم على آلهتهم وإسنادهم الحفظَ إليها، والهمزةُ لإنكار أن يكون لهم آلهةٌ تقدر على ذلك والمعنى بل ألهم آلهةٌ تمنعهم من العذاب تتجاوز منْعنا أو حفظَنا، أو من عذاب كائنٍ من عندنا فهم معوّلون عليها واثقون بحفظها، وفي توجيه الإنكارِ والنفي إلى وجود الآلهةِ الموصوفة بما ذكر من المنع لا إلى نفس الصفةِ بأن يقال: أم تمنعهم آلهتُهم الخ، من الدِلالة على سقوطها عن مرتبة الوجود فضلًا عن رتبة المنع ما لا يخفى، وقوله عز وعلا: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ} استئنافٌ مقرّر لما قبله من الإنكار وموضِّحٌ لبُطلان اعتقادِهم أي هم لا يستطيعون أن ينصُروا أنفسهم ولا يُصحَبون بالنصر من جهتنا، فكيف يتوهم أن ينصُروا غيرهم؟ وقوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَءابَاءهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر} إضرابٌ عما توهموا ببيان أن الداعيَ إلى حفظهم تمتيعُنا إياهم بما قدّر لهم من الأعمار أو عن الدِلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك، وهو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارُهم فحسِبوا أن لا يزالوا كذلك وأنه بسبب ما هم عليه، ولذلك عقّب بما يدل على أنه طمعٌ فارغٌ وأمل كاذبٌ حيث قيل: {أَفَلاَ يَرَوْنَ} أي ألا ينظرون فلا يرَون {أَنَّا نَأْتِى الأرض} أي أرضَ الكفرة {نَنقُصُهَا مِنْ أطرافها} فكيف يتوهمون أنهم ناجون من بأسنا، وهو تمثيلٌ وتصويرٌ لما يُخْرِبه الله عز وجل من ديارهم على أيدي المسلمين ويُضيفها إلى دار الإسلام {أَفَهُمُ الغالبون} على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، والفاء لإنكار ترتيب الغالبيةِ على ما ذكر من نفس أرضِ الكفرةِ بتسليط المسلمين عليها، كأنه قيل: أبعد ظهورِ ما ذكر ورؤيتِهم له يتوهم غلَبتُهم؟ كما مر في قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ} وقوله تعالى: {قُلْ أفاتخذتم مّن دُونِهِ أَوْلِيَاء} وفي التعريف تعريضٌ بأن المسلمين هم المتعيِّنون للغلَبة المعروفون بها. اهـ.
|