الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة وقت الدم وهل قليله وكثيره سواء: قال محمد بن رشد: هذا هو المعلوم من مذهبه أنه يكره الحد في مثل هذه الأشياء التي لا أصل للحد فيها في الكتاب والسنة، وإنما يرجع فيها إلى الاجتهاد. وقد روى علي بن زياد عنه أن قدر الدرهم من الدم قليل. وذكر ابن حبيب عنه أن قدر الدرهم منه كثير وأن قدر الخنصر منه قليل. قال ابن حبيب: وقد كان عطاء وغيره من العلماء يرون أن الدرهم منه قليل، والاحتياط أحب إلي أن تعاد الصلاة من قدر الدرهم. وقالوا: إن الأصل في حد يسيره بقدر الدرهم عند من رآه الاعتبار بالمخرج؛ لأن الأحجار لا تزيل عنه النجاسة، فوجب أن يقاس عليه الدم؛ لأنه أمر غالب كما أنه أمر غالب، وبالله التوفيق. .مسألة مس إبطه ونتفه أترى أن يغسل يده: قال محمد بن رشد: ما استحسن مالك رَحِمَهُ اللَّهُ من هذا حسن؛ لأنه مما شرع في الدين من المروءة والنظافة، وإن لم يكن ذلك واجبا كوجوب غسل النجاسة. .مسألة أينزع الخاتم الذي فيه ذكر الله منقوش عند الاستنجاء: فقال: إن نزعه فحسن، وما سمعت أحدا نزع خاتمه عند الاستنجاء. قيل له: فإن استنجى وهو في يده فلا بأس به؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم، وتكررت في رسم مساجد القبائل منه، والحمد لله. .مسألة ماء البيض إذا أصاب الثوب أترى أن يغسل: قال محمد بن رشد: قوله: إنه يُغسل إن كان له ريح، هو نحو ما تقدم له في غسل اليد من نتف الإبط، وقد تقدم القول فيه. .مسألة الرجل يتوضأ للصلاة ثم يمس ذكره قبل أن يغسل قدميه: قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن مس الذكر ينقض الوضوء ناسيا كان أو متعمدا؛ إذ لم يفرق بين ذلك، وأن الإعادة واجبة عليه إن صلى بذلك الوضوء أبدا، خلاف رواية أشهب عنه في كتاب الصلاة، وخلاف ما في سماع سحنون من هذا الكتاب. وقد مضى في رسم اغتسل على غير نية من الكلام على هذه المسألة ما لا وجه لإعادته. .مسألة الرجل يتوضأ ثم يطأ الموضع القذر الجاف: قال محمد بن رشد: معناه أنه موضع قذر لا يوقن بنجاسته، فحمله على الطهارة؛ لأن الاحتراس من مثل هذا يشق، فهو من الحرج الذي قد رفعه الله في الدين بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ولو كان الموضع يوقن بنجاسته لوجب أن يغسل قدميه؛ لأن النجاسة تتعلق بهما، وإن كان يابسا من أجل بللهما، وهذا بَيِّن. .مسألة الرجل يضطجع على الفراش الذي فيه الجنابة فتصيبه شدة هذا العرق: قال محمد بن رشد: قوله: يغسل ما يخاف أن يكون قد أصاب منه شيء هو مثل ما تقدم له في هذا الرسم في الذي يتجفف في الثوب يكون فيه الدم الكثيف، وذلك يدل على أن ما شك في نجاسته من الأبدان أن حكمه أن يغسل ولا يجزئ فيه النضح، وقد ذكرنا الدليل على الفرق في ذلك بين الثوب والجسد في مسألة الدم المذكورة، وفي كتاب ابن شعبان: أن النضح يجزي في الجسد كالثوب وهو شاذ، وقد ذهب ابن لبابة إلى أن النضح لا يجزئ في واحد منهما، وهو خروج عن المذهب جملة، وأما قوله في عرق الجنب: إنه طاهر إذا لم يكن بجسده نجاسة، فهو كما قال؛ لأن جسمه طاهر، وإنما يغتسل عبادة لا نجاسة، فعرق بني آدم تبع للحومهم في الطهارة. وروي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كان يقيل عند أم سليم، وكان كثير العرق، فاعتدت له قِطْعًا يقيل عليه، فكانت تأخذ عرقه فتجعله في قارورة، فقال: ما هذا يا أم سليم، فقالت: عرقك يا رسول الله أجعله في طيبي، فضحك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فدل ذلك على طهارة العرق، وكذلك عرق سائر الحيوان وألبانها تبع للحومها، فلبن الحمارة نجس، قاله يحيى بن يحيى في سماعه، وإنما قال في المدونة: لا بأس بعرق البردون والبغل والحمار من أجل أن الناس لا يقدرون على التوقي منه، وأما ما يوكل لحمه فعرقه طاهر كلبنه، إلا أن يشرب ماء نجسا، فيختلف في عرقه ولبنه وبوله على أربعة أقوال: أحدها: أن ذلك كله طاهر، وهو قول أشهب. والثاني: أن ذلك كله نجس، وهو قول سحنون. والثالث: الألبان طاهرة، والأبوال والأعراق نجسة. والرابع: الأبوال نجسة، والأعراق والألبان طاهرة. وكذلك عرق السكران ولبن المرأة التي شربت الخمر، يتخرج ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها أن اللبن والعرق نجس وهو قول سحنون، وذلك قوله في المدونة: إنما غذاء اللبن مما يأكلن، وهن يأكلن الخنزير ويشربن الخمر. والثاني: أنهما جميعا طاهران وهو قول أشهب. والثالث: اللبن طاهر، والعرق نجس. .مسألة الذي يستيقظ من نومه فيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الماء الذي أدخل فيه يده إذا استيقظ من نومه قبل أن يغسلها طاهر يتوضأ منه؛ لأن يده محمولة على الطهارة حتى يوقن بنجاستها على الأصل، في أن الشك لا يؤثر في اليقين، وإن كان الاختيار أن يغسلها للحديث؛ إلا أن لا يمكنه ذلك في مثل المهراس على ما يأتي في آخر هذا السماع، خلاف ظاهر قول أبي هريرة في رسم البز من سماع ابن القاسم، وقد مضى التكلم على هذه المسألة في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم. ومعنى ما ذكر عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه كان إذا أكل مسح يده بباطن قدمه إنما هو في مثل التمر والشيء الجاف الذي لا يتعلق بيده منه، إلا ما يذهبه أدنى المسح. وأما مثل اللحم واللبن، وما يكون له الدسم والودك فلا؛ لأن غسل اليد منه مما لا ينبغي تركه، وقد تمضمض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السويق، وهو أيسر من اللحم واللبن؛ وغسل عثمان بن عفان يده من اللحم، وتمضمض منه، ذكر ذلك مالك في الموطأ، فهذا يدل على ما ذكرناه، والله أعلم. .مسألة الوضوء بالدقيق والنخالة والفول: قال محمد بن رشد: تقدم هذا المعنى في رسم النذور والجنائز والذبائح من هذا السماع، ومضى القول في وجه الكراهية في ذلك، وجميع ما يعارض ظاهره ذلك من الروايات في آخر رسم البز من سماع ابن القاسم. .مسألة الوضوء بالماء السخن: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الماء القراح لا يخرجه عن حكم الطهارة، وجواز تأدية الفرض به مسيس النار إياه، كما لا يخرج شيئا من الطعام مسيس النار إياه عن حكم الطهارة وجواز أكله، والأمر بالوضوء منه كان عبادة قد نسخت، وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الوضوء مما مست النار» فلا وجه للاعتبار بذلك في كراهة الوضوء بالماء السخن، وإنما يعتبر بجواز الوضوء بالماء السخن في ألا وضوء مما مست النار. وقد روي أن عبد الله بن عمر قال لأبي هريرة لما قال: إنه يتوضأ مما مست النار: ما تقول في الدهن والماء السخن يُتوضأ منه؟ قال: أنت رجل من قريش، وأنا رجل من دوس، قال: يا أبا هريرة، لعلك تلحق إلى هذه الآية: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] لا نتوضأ من شيء نأكله، وقد روي عن مجاهد أنه كره الوضوء بالماء السخن، فيحتمل أن يكون رأى ذلك من التنعم، ورأى الصبر على الوضوء بالماء البارد أعظم للأجر؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؛ إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط»، فإن كان ذهب إلى هذا فقد أصاب، والله أعلم، وبه التوفيق. .مسألة الذي يريد أن يبتدئ الوضوء أيغسل يديه أم يفرغ على يده: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الاختيار في غسل اليدين قبل الوضوء أن يفرغ على يده اليمنى فيغسلهما جميعا اتباعا لظاهر الحديث، وإن أفرغ على يده اليمنى فغسلها وحدها، ثم أدخلها في الإناء، فأفرغ بها على يده اليسرى فغسلها أيضا وحدها أجزأه، ولم يكن عليه في ذلك ضيق، وفي أول سماع عيسى لابن القاسم مثل اختيار قول مالك هذا، واختلف اختيارهما هناك في تمام الوضوء هل يدخل يديه جميعا في الإناء أم يدخل الواحدة، ويفرغ بها على الثانية ويتوضأ على ما سنذكره إن شاء الله، ووقع في بعض الكتب، أم يفرغ على يديه، فقال: بل يفرغ على يديه، وهو خطأ؛ إذ لا يستقيم أن يفرغ على يديه معا، فتدبر ذلك. .مسألة الذي ينام في الثوب فيه الجنابة حتى يعرق فيه ثم يقوم أيتوضأ: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المني نجس عند مالك، فإذا عرق في الثوب الذي فيه الجنابة، فابتلت النجاسة وتعلقت بجسمه وجب غسله، وقوله: أحب إلي؛ ليس على ظاهره، بل غسل ما أصابه من الجنابة واجب عنده لا يراعي في ذلك قول غيره ممن ذهب إلى أن المني طاهر، والله أعلم. .مسألة الرجل يكون في رأسه جراح فتصيبه جنابة أيغتسل: قال محمد بن رشد: وهذا بَيِّن كما قال، لا إشكال فيه، إذا نكب الماء عن موضع الشجة في رأسه، فهي لمعة بقيت في رأسه من غسل الجنابة، يجب عليه إذا صح أن يغسلها كما لو نسيها سواء. .مسألة ماء خليج الإسكندرية هل يتوضأ منه ويغسل فيه الثياب: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الماء وإن كان كثيرا صافيا تجري فيه السفن، لا ينبغي أن يتوضأ منه إذا ركد وتغير لونه، من أجل أن المراحيض تصب فيه؛ لاحتمال أن يكون تغير لونه من صب تلك المراحيض فيه، لا من ركوده وسكونه في موضعه، ولو علم أن لونه لم يتغير من صب تلك المراحيض فيه لجاز الوضوء منه، كما أنه لو علم أنه تغير من ذلك لم يحل الوضوء منه، وكان نجسا بإجماع، فإذا لم يعلم بم تغير لونه كان الاحتياط أن يحمل على النجاسة، بخلاف أن لو وُجد متغير اللون، ولم يُعلم لتغيره سبب من نجاسة يشبه أن يكون تغير منه، فإنه يُحمل على الطهارة، وبالله التوفيق. .مسألة بئر وجد ماؤها منتنا فنزفت ثم ماؤها منتن على حاله: قال محمد بن رشد: وجه قوله أنه حمل الماء على أنه إنما أنتن من نجاسته لقنوات المراحيض التي تتخلل الدور في القرى والمدن بخلاف البئر والغدير، يجده الرجل في الصحراء قد أنتن، وهولا يدري مما أنتن، فإنه يحمل على الطهارة، وأنه إنما أنتن من ركوده وسكونه في موضعه؛ إذ لا يعلم لنجاستها سببا يشككه فيه، ولو علم أن نتن ماء البئر ليس من قناة مرحاض إلى جانبه لم يكن به بأس، وقد قاله في آخر هذا الرسم، فهو مبين لقوله هاهنا. .مسألة الرجل يأتي المهراس بفلاة من الأرض فيريد أن يتوضأ منه: قال محمد بن رشد: يده محمولة على الطهارة حتى يوقن بنجاستها، ولذلك لم ير عليه أن يأخذ الماء بفيه ليغسلها، ورأى ذلك من التعمق والخلاف لما مضى عليه الناس من التخفيف وترك التشديد على أنفسهم في مثل هذه الأمور، وقد مضى هذا المعنى في الرسم قبل هذا، وفي رسم كتب عليه ذكر حق ورسم البز من سماع ابن القاسم، ولو كانت يده نجسة لكان عليه أن يحتال لغسلها قبل أن يدخلها في الماء بما يقدر عليه من أخذ الماء بفيه أو بثوب إن كان معه على ما يأتي في سماع موسى بن معاوية من هذا الكتاب. .مسألة توضأ ومسح على خفيه فلما مشى وجد في أحدهما حصاة فنزعه: {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150]، وقال عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص: 55]. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب قدمه، وفي بعضها قدميه في الموضعين، والذي تستقيم به المسألة على ظاهر اللفظ أن يكون الأول قدميه بالتثنية، والثاني قدمه بالإفراد، إذ يبعد أن يقول: أحب إلي أن يغسل قدمه بالإفراد؛ لأن ذلك عنده لا يجزئ دونه، ومتى لم يفعل انتقض وضوؤه، وإنما يصح أن يتعلق الاستحباب عنده بخلعهما جميعا، فلما استحب أن يخلعهما جميعا قيل له: أيجزئ عنه أن يغسل قدمه الواحدة مكانه الذي خلع الخف منه لإخراج الحصاة، قال: نعم. فإذا جاز على هذه الرواية أن يغسل الرِّجْل التي خلع منها الخف، ولا يخلع صاحبه، فأحرى إذا لبس خفين على خفين، فمسح على الأعليين، ثم نزع فردا واحدا منها أن يجزئه أن يمسح على الخف الذي تحته ولا يخلع صاحبه. وقال ابن حبيب: لابد له من خلع صاحبه في المسألتين جميعا، ومذهب ابن القاسم الفرق بين المسألتين؛ لأن عيسى روى عنه في الخفين على الخفين إذا نزع فردا من الأعليين، وقد مسح عليهما أنه يجزئه أن يمسح على الذي تحته وحده ولا يخلع صاحبه، وروى عنه أبو زيد في الخفين على القدمين إذا مسح عليهما فانخرق أحدهما أنه ينزعهما جميعا ويغسل رجليه، فتحصل في الجملة ثلاثة أقوال، وفي كل مسألة على انفراد قولان، فقف على ذلك، وإنما قال إذا نزع خفيه وقد مسح عليهما: إنه يغسل رجليه ولا ينتقض وضوؤه خلافا لما حكي له عن بعض أهل العراق قياسا على الجبيرة إذا مسح عليها في غسله، ثم برأ أنه يغسل ذلك الموضع ولا ينتقض غسله. وفي مختصر ما ليس في المختصر لمالك من رواية زيد بن شعيب عنه أن من مسح على خفيه، ثم نزعهما استأنف الوضوء، ووجه ذلك أنه إن غسل رجليه فقد حصل وضوؤه متفرقا عن غير ضرورة، بخلاف الجبيرة، والأول أظهر. .مسألة الوضوء من بيوت النصارى: قال محمد بن رشد: فإن فعل فلا إعادة عليه؛ لأنه أخف من سؤر النصراني الذي قد اختلف فيه قوله على ما قد تقدم القول فيه من أول سماع ابن القاسم. .مسألة بئر ماتت فيه دابة: قال محمد بن رشد: لا اختلاف بين أهل العلم فيما علمت أن الماء إذا أنتن واشتدت رائحته من موت الدابة فيه أنه نجس، وأن من توضأ به يعيد الصلاة في الوقت وبعده، وتغسل منها الثياب، ولا يجزئ فيها النضح. فقوله في آخر المسألة: يعاد من ذلك ما كان في الوقت، لا يعود على جملة المسألة في الماء المنتن وغيره، وإنما يعود على ما اتصل به من قوله: وإذا كان ذلك منه شيئا خفيفا فيها، فأرى أن تنضح الثياب، ويحتمل أن يعود على جملة المسألة في الصلاة بالثياب التي أصابها ذلك الماء المنتن وغيره، لا في الوضوء من ذلك الماء، والتأويل الأول أظهر بظاهر الرواية، ومعنى قوله: وإن كان ذلك منه شيئا خفيفا، أي يشك في تغير رائحته لخفته، وأما لو تبين تغير رائحته لوجب أن يعيد من توضأ بذلك الماء في الوقت وغيره على مذهب مالك، خلاف ما ذهب إليه ابن الماجشون من ترك الاعتبار بالرائحة في صفة الماء، وقوله: فأرى أن تنضح الثياب، يحتمل أن يريد إن كانت ثيابا يفسدها الغسل على نحو ما ذهب إليه ابن حبيب، ويحتمل أن يكون خفف ترك غسلها، وإن كان الغسل لا يفسدها إذا لم يعفها ذلك الماء النجس، بخلاف المسألة التي تقدمت في رسم النذور والجنائز، والله أعلم. .مسألة الذي يصب الماء لحماره في الشيء يشرب منه ويفضل أيتوضأ بفضله: قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وزاد فيها أنه وغيره سواء، قال ابن حبيب: وقد كره بعض العلماء الوضوء من سؤر الدواب التي تأكل أرواثها، ولم ير ابن القاسم بذلك بأسا، إلا أن يرى ذلك بأفواهها عند شربها، قال ابن حبيب: وأما المخلاة التي تقم المزابل، وتأكل الأقذار، فالتيمم خير من سؤرها؛ لأنه نجس. .مسألة البئر ينتن ماؤها ثم ينزح والماء ما يزال منتنا: قال محمد بن رشد: هذا صحيح؛ إنه إذا علم أن نتنه ليس من ذلك، ينبغي أن يحمل على الطهارة كالغدير الذي تجده في الفلاة قد أنتن، ولا يدرى من أي شيء أنتن، وقوله هذا يبين مسألة البئر المتقدمة في هذا الرسم قبل هذا. .مسألة الرجل يقرأ القرآن في اللوح، وهو غير متوضئ: قال محمد بن رشد: معناه إذا كان يقرأ فيه على غير وجه التعلم؛ لأنه قد خففه في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، إذا كان على وجه التعليم، وقد مضى هناك وجه تخفيفه، وحمل كلامه على أن بعضه مفسر لبعض إذا أمكن ذلك أولى من حمله على الخلاف، وبالله التوفيق. كمل سماع أشهب والحمد لله رب العالمين، والصلاة الكاملة على مولانا محمد وآله. .كتاب الوضوء الثاني: .مسألة الرجل يدخل الحمام لغسل جنابة فيتطهر وهو ناس لجنابته: قال محمد بن رشد: قد روي عن سحنون: أن ذلك يجزيه في النهر، ولا يجزيه في الحمام، ووجه ما ذهب إليه أن النية بعدت عنه لاشتغاله بالتحمم قبل الغسل، وكذلك لو ذهب إلى النهر ليغسل ثوبه قبل الغسل، فغسل ثوبه ثم اغتسل، لم يجزه الغسل على مذهبه، ولو لم يتحمم في الحمام لأجزأه الغسل كالنهر سواء. ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم أنه لما خرج إلى الحمام بنية أن يتحمم ثم يغتسل، لم ترتفض عنده النية، ولا ضره بعدها لبقاء حكمها على ما نواه وخرج عليه، ولو خرج إلى الحمام قاصدا للغسل من الجنابة، ثم بدا له فتحمم، ولم يجدد النية عند الغسل لما أجزأه عندهما جميعا، فالأمر في هذا على هذه الثلاثة الأوجه: إذا خرج إلى الحمام للغسل فاغتسل ولم يتحمم أجزأه الغسل باتفاق، وإذا خرج إليه للغسل ثم بدا له فتحمم، ثم اغتسل لم يجزه الغسل باتفاق، إلا أن يجدد النية، وإذا خرج ليتحمم ثم يغتسل ففعل أجزأه الغسل عند ابن القاسم، ولم يجزئه عند سحنون، إلا أن يجدد النية عند الغسل. والأصل في جواز تقدم النية قبل أول الغسل بيسير إجماعهم على جواز تبييت الصيام من الليل قبل أول النهار؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» وكذلك يجب في الصلاة إذا تقدمت النية قبل الإحرام بيسير أن يجزئ، وقد فرق في هذا بين الغسل والصلاة بتفاريق لا تلزم، من ذلك مراعاة الخلاف في إيجاب النية في الوضوء والغسل، ومن ذلك أن الصلاة يبدأ فيها بتكبيرة الإحرام وهي فرض، والغسل والوضوء يبدأ فيهما بما ليس فرض من غسل اليد قبل إدخالها في الإناء وغير ذلك من السنن.
|